فصل: فِيمَنْ صَامَ شَهْرًا قَبْلَ رَمَضَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.فِيمَنْ صَامَ شَهْرًا قَبْلَ رَمَضَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ:

قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مِنْ ظِهَارٍ، فَصَامَ شَهْرًا قَبْلَ رَمَضَانَ وَرَمَضَانَ يَنْوِي بِذَلِكَ شَهْرَيْ ظِهَارِهِ جَاهِلًا يَظُنُّ أَنَّ رَمَضَانَ يُجْزِئُهُ مِنْ ظِهَارِهِ وَيُرِيدُ أَنْ يَقْضِيَ رَمَضَانَ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ؟
فَقَالَ: لَا يُجْزِئُهُ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا مِنْ ظِهَارِهِ شَهْرُ رَمَضَانَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ، عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ فِي تَظَاهُرٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ خَطَأً. فَيَصُومُ ذَا الْقِعْدَةِ وَذَا الْحِجَّةِ.
فَقَالَ لِي: لَا أَرَى ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ وَلْيَبْتَدِئْ الصِّيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَحَبُّ إلَيَّ.
قَالَ: فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: إنَّهُ دَخَلَ فِيهِ بِجَهَالَةٍ وَرَجَا أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ؟
فَقَالَ: وَمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: الْجَهَالَةُ، وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ، فَقَالَ: عَسَى أَنْ يُجْزِئَهُ وَمَا هُوَ عِنْدِي بِالْبَيِّنِ.
قَالَ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْتَدِئَ.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَفَرَأَيْتَ مَنْ سَافَرَ فِي شَهْرَيْ صِيَامِهِ التَّظَاهُرَ فَمَرِضَ فِيهِمَا فَأَفْطَرَ؟
فَقَالَ: إنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا هَيَّجَ عَلَيْهِ مَرَضَهُ السَّفَرُ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَصَابَهُ وَلَوْ اسْتَيْقَنَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ غَيْرِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَصَابَهُ لَرَأَيْتُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صِيَامِهِ وَلَكِنِّي أَخَافُ.
قال سَحْنُونٌ: وَقَدْ رَوَيْنَا غَيْرَ هَذَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ، فَإِذَا سَافَرَ فَمَرِضَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَبْنِي.

.فِي أَكْلِ الْمُتَظَاهِرِ نَاسِيًا أَوْ وَطْئِهِ امْرَأَتَهُ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ أَكَلَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ وَهُوَ صَائِمٌ فِي الظِّهَارِ أَوْ نَذْرٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ أَوْ فِيمَا كَانَ مِنْ الصِّيَامِ، أَلَيْسَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ مَنْ تَسَحَّرَ فِي الْفَجْرِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، هُوَ سَبِيلُهُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعَمْرُو بْنِ دِينَارٍ فِي الرَّجُلِ يُفْطِرُ فِي الْيَوْمِ الْمُغَيَّمِ يَظُنُّ أَنَّ اللَّيْلَ قَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ، قَالَا: نَرَى أَنْ يُبَدِّلَهُ وَلَا يَسْتَأْنِفَ شَهْرَيْنِ آخَرَيْنِ.
ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ مَنْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ ظِهَارٍ فَوَطِئَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الشَّهْرَيْنِ لَيْلًا نَاسِيًا أَوْ نَهَارًا؟
فَقَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ ظَاهَرَ مِنْهَا وَقَدْ كَانَ صَامَ بَعْضَ الصِّيَامِ قَبْلَ أَنْ يَطَأَ أَوْ تَصَدَّقَ بِجُلِّ الصَّدَقَةِ قَبْلَ أَنْ يَطَأَ، ثُمَّ وَطِئَ فَقَالَ مَالِكٌ: يَبْتَدِئُ الصِّيَامَ وَالطَّعَامَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَمْ يَقُلْ لِي مَالِكٌ نَاسِيًا فِي لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ نَاسِيًا، لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ وَقَدْ وَطِئَهَا نَاسِيًا لَمْ يَضَعْ عَنْهُ نِسْيَانُهُ الْكَفَّارَةَ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا وَقَدْ عَمِلَ فِي الْكَفَّارَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْكَفَّارَةِ.
قَالَ: فَأَرَى الْكَفَّارَةَ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِوَطْئِهِ إيَّاهَا نَاسِيًا كَانَ أَوْ مُتَعَمِّدًا، لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا.
وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ ابْنُ نَافِعٍ إذَا أَخَذَ فِي الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الطَّلَاقِ ثُمَّ طَلَّقَ فَأَتَمَّ: إنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ حِينَ ابْتَدَأَ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ وَلِأَنَّهُ مِمَّنْ كَانَتْ الْعَوْدَةُ لَهُ جَائِزَةً قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ.
قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ إذَا ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ وَطِئَهَا قَبْلَ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا: إنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَقَدْ لَزِمَتْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ وَطِئَ بَعْدَ الظِّهَارِ فَبِالْوَطْءِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يَطَأَ بَعْدَ أَنْ ظَاهَرَ حَتَّى طَلَّقَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
قَالَ: نَعَمْ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ لِي.
قَالَ سَحْنُونٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا آثَارَ هَذَا قَبْلَ هَذَا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ هُوَ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ أَوْ غَيْرَ الْبَتَّةِ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا مِنْ بَعْدِ مَا ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ، أَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الظِّهَارُ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ لَا يَطَؤُهَا إذَا تَزَوَّجَهَا مِنْ بَعْدِ أَنْ يُطَلِّقَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَانَ ذَلِكَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَلَهُ أَنْ يَطَأَ جَوَارِيَهُ وَنِسَاءَهُ وَغَيْرَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ وَفِي خِلَالِ الْكَفَّارَةِ لَيْلًا أَيْضًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، يَطَأُ غَيْرَهَا مِنْ نِسَائِهِ وَجَوَارِيهِ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، وَفِي خِلَالِ الْكَفَّارَةِ لَيْلًا إذَا كَانَتْ كَفَّارَتُهُ بِالصَّوْمِ.

.فِي الْقَيْءِ فِي صِيَامِ الظِّهَارِ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ تَقَيَّأَ فِي صِيَامِ الظِّهَارِ أَيَسْتَأْنِفُ أَمْ يَقْضِي يَوْمًا يَصِلُهُ بِالشَّهْرَيْنِ.
فَقَالَ: يَقْضِي يَوْمًا يَصِلُهُ بِالشَّهْرَيْنِ.

.فِي مَرَضِ الْمَظَاهِرِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَائِمٌ:

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ مَنْ مَرِضَ فِي صِيَامِ التَّظَاهُرِ أَوْ قَتْلِ النَّفْسِ، فَأَفْطَرَ فَإِنَّهُ إذَا أَصْبَحَ وَقَوِيَ عَلَى الصِّيَامِ صَامَ وَبَنَى عَلَى مَا كَانَ صَامَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ هُوَ صَحَّ وَقَوِيَ عَلَى الصِّيَامِ فَأَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ بَعْدِ قُوَّتِهِ عَلَى الصِّيَامِ اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ وَلَمْ يَبْنِ.
وَقَالَ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ عَلَيْهَا صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَحَاضَتْ فِي الشَّهْرَيْنِ وَلَمْ تُصَلِّ أَيَّامَ حَيْضَتِهَا بِالشَّهْرَيْنِ، أَتَسْتَأْنِفُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تَسْتَأْنِفُ إنْ لَمْ تَصِلْ أَيَّامَ الْحَيْضِ بِالشَّهْرَيْنِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ رَقَبَةً فَمَرِضَ، أَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ؟
فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي: إذَا ظَاهَرَ فَصَامَ ثُمَّ مَرِضَ فَإِنَّهُ إنْ صَحَّ بَنَى عَلَى مَا صَامَ، فَإِنْ فَرَّطَ حِينَ صَحَّ اسْتَأْنَفَ بِالشَّهْرَيْنِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} كَيْفَ هَذَا الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ وَمَنْ هُوَ؟
فَقَالَ: مَا حَفِظْتُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ عِنْدِي: الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَقْوَى عَلَى صِيَامٍ مِنْ كِبَرٍ أَوْ ضَعْفٍ، فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ هُوَ صَحِيحٌ لَا يَقْوَى عَلَى الصِّيَامِ وَإِنِّي لَأَرَى أَنَّ كُلَّ مَنْ مَرِضَ مِثْلَ الْأَمْرَاضِ الَّتِي يَصِحُّ مِنْ مِثْلِهَا النَّاسُ أَنَّهُ إنْ تَظَاهَرَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ ظَاهَرَ ثُمَّ مَرِضَ ذَلِكَ الْمَرَضَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَصِحَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ ثُمَّ يَصُومَ إذَا كَانَ لَا يَجِدُ رَقَبَةً، وَكُلُّ مَرَضٍ يَطُولُ بِصَاحِبِهِ فَلَا يَدْرِي أَيَبْرَأُ مِنْهُ أَمْ لَا يَبْرَأُ لِطُولِ ذَلِكَ الْمَرَضِ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى أَهْلِهِ فَأَرَى أَنْ يُطْعِمَ وَيُلِمَّ بِأَهْلِهِ وَإِنْ صَحَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَجْزَأَ عَنْهُ ذَلِكَ الطَّعَامُ لِأَنَّ مَرَضَهُ كَانَ يَائِسًا، وَقَالَ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَطُولَ مَرَضُهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُرْجَى بُرْؤُهُ وَقَدْ احْتَاجَ إلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ بِالطَّعَامِ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ قَالَ: سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي تَقْطَعُ صِيَامَهَا الْحَيْضَةُ لَهَا رُخْصَةٌ فِي صِيَامِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحَيْضَةَ تَقْطَعُ عَلَيْهَا الصِّيَامَ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا.

.فِي كَفَّارَةِ الْمُتَظَاهِرِ:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ تَظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فِي غَيْرِ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ: إنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَفَّارَةً كَفَّارَةً وَلَا تُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَ رِقَابٍ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ عَنْهُنَّ، أَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَقَبَةً بِعَيْنِهَا؟
فَقَالَ: نَعَمْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرِكْ بَيْنُهُنَّ فِي الْعِتْقِ وَإِنَّمَا صَارَتْ كُلُّ رَقَبَةٍ لِامْرَأَةٍ وَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لَيْسَ لَهُنَّ مِنْ وَلَائِهِنَّ شَيْءٌ.
قَالَ: وَإِنْ أَعْتَقَ ثَلَاثَ رِقَابٍ عَنْ ثَلَاثٍ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَقَبَةً، وَإِنْ أَعْتَقَ الثَّلَاثَ الرِّقَابَ عَنْ النِّسْوَةِ الْأَرْبَعِ لَمْ تُجْزِهِ الرِّقَابُ فِي ذَلِكَ مِنْ ظِهَارِهِ إذَا نَوَى بِهِنَّ عَنْ جَمِيعِهِنَّ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْتَقَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ رَقَبَةٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أُخْرَى، فَيُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْهُ، وَلَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثًا عَنْ ثَلَاثٍ وَحَاشَا مِنْ نِسَائِهِ وَاحِدَةً لَمْ يَنْوِهَا بِعَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَ حَتَّى يُعْتِقَ الرَّقَبَةَ الرَّابِعَةَ، فَيَطَأَهُنَّ، وَلَوْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَوْ طَلَّقَهَا لَمْ تُجْزِهِ الثَّلَاثُ حَتَّى يُعْتِقَ رَقَبَةً، فَيَجُوزُ الْوَطْءُ لَهُ حِينَ أَعْتَقَ ثَلَاثًا عَنْ ثَلَاثٍ وَلَمْ يُعْتِقْهُنَّ عَنْ جَمِيعِهِنَّ، لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَيَّتَهُنَّ الْبَاقِيَةَ، فَلَمَّا أَعْتَقَ الرَّقَبَةَ الرَّابِعَةَ فَكَانَ قَدْ اسْتَكْمَلَ عَنْهُنَّ الْكَفَّارَاتِ وَلَمْ يُشْرِكْ بَيْنَهُنَّ فِي أَصْلِ الْعِتْقِ، فَلَمَّا مَاتَتْ وَاحِدَةٌ أَوْ طَلَّقَهَا قُلْنَا لَا نَشُكُّ أَنَّ اثْنَيْنِ مِمَّنْ قَدْ بَقِيَ وَقَعَتْ لَهُنَّ الْكَفَّارَةُ الْأُخْرَى الَّتِي مَاتَتْ أَوْ بَقِيَتْ فَلَا يَطَأُ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حَتَّى يُعْتِقَ رَقَبَةً احْتِيَاطًا لِلَّتِي بَقِيَتْ فَيَسْتَكْمِلَ الْكَفَّارَةَ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يُجْزِئُ عَنْهُ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً إذَا مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَوْ طَلَّقَهَا إذَا أَعْتَقَ ثَلَاثًا عَنْ أَرْبَعٍ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَدْ جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي الْعِتْقِ نَصِيبًا فَلَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يُعْتِقَ أَرْبَعَ رِقَابٍ سِوَاهُنَّ.
قَالَ: وَإِنْ صَامَ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ مُتَتَابِعَاتٍ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْكَفَّارَةَ عَنْهُنَّ، أَشْرَكَهُنَّ جَمِيعًا فِي صِيَامِ كُلِّ يَوْمٍ كَمَا أَشْرَكَهُنَّ فِي الْعِتْقِ، لَمْ أَرَ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالصِّيَامِ كَفَّارَةً كَفَّارَةً وَإِنْ لَمْ يُوقِعْ ذَلِكَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ بِعَيْنِهَا كَمَا وَصَفْتُ لَكَ فِي الْعِتْقِ، فَيُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْهُ وَأَمَّا الطَّعَامُ فَأَرَى ذَلِكَ مُجْزِئًا عَنْهُ وَذَلِكَ أَنِّي رَأَيْتُهُ مُجْزِئًا لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَقَدْ أَطْعَمَ عَنْهُنَّ عِشْرِينَ وَمِائَةَ مِسْكِينٍ سَقَطَ مِنْ ذَلِكَ حَظُّ الْمَيِّتَةِ وَجَبَرَ بِمَا كَانَ أَطْعَمَ عَنْ الثَّلَاثِ اللَّائِي بَقِينَ عِنْدَهُ بَقِيَّةَ الْإِطْعَامِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرِّقَ الْإِطْعَامَ، وَلَوْ أَطْعَمَ الْيَوْمَ عَنْ هَذِهِ عِشْرِينَ وَعَنْ هَذِهِ غَدًا ثَلَاثِينَ وَعَنْ الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعِينَ وَعَنْ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ جَبَرَ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْهُنَّ أَجْزَأَ عَنْهُ.
فَلِذَلِكَ رَأَيْتُهُ مُجْزِئًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُنَّ فَعَلَ فِي أَمْرِهَا كَمَا فَسَّرْتُ لَكَ، يَجْبُرُ مَا بَقِيَ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَيُسْقِطُ قَدْرَ حَظِّهَا لِأَنَّهُ أَطْعَمَ عَنْهُنَّ كُلِّهِنَّ وَلَمْ يَنْوِ وَاحِدَةً عَنْ وَاحِدَةٍ.
فَهَذَا الَّذِي أَرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ إلَّا أَنْ يُطْعِمَ فَيُشْرِكَهُنَّ أَيْضًا فِي الْإِطْعَامِ فِي كُلِّ مِسْكِينٍ وَلَا يُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ فِي كَفَّارَتِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَنْوِ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَذَلِكَ يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ أَطْعَمَ عَنْهُنَّ وَلَمْ يَنْوِ وَاحِدَةً فَهَذَا الَّذِي أَرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَصَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَجَامَعَ فِي شَهْرَيْ صِيَامِهِ بِاللَّيْلِ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ مِمَّنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ عَنْهَا، أَيُفْسِدُ ذَلِكَ صَوْمَهُ عَنْ هَذِهِ الَّتِي نَوَى الصَّوْمَ عَنْهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَلِمَ وَإِنَّمَا نَوَى بِالصِّيَامِ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ، كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَلْبَسُ قَمِيصًا وَلَا آكُلُ خُبْزًا وَلَا أَشْرَبُ، ثُمَّ فَعَلَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حَنِثَ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا بَقِيَ مِمَّا كَانَ حَلَفَ عَلَيْهِ إنْ فَعَلَهُ لَوْ فَعَلَهُ.
قَالَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي أَنَّهُ لَوْ كَفَّرَ فِي قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكَفِّرَ بَعْدَ الْحِنْثِ قَالَ: وَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ رَجَوْتُ أَنْ يُجْزِئَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَإِنَّمَا نَوَى بِالْكَفَّارَةِ عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَمْ تَخْطِرْ لَهُ الِاثْنَتَانِ الْبَاقِيَتَانِ فِي كَفَّارَتِهِ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِكَفَّارَتِهِ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ ثُمَّ فَعَلَ بَعْدَ الْكَفَّارَةِ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُرِدْ بِالْكَفَّارَةِ عَنْهُمَا فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى فِي فِعْلِهِ وَتُجْزِئُهُ الْكَفَّارَةُ الْأُولَى عَنْ الثَّلَاثَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا.
قَالَ: وَهَذَا رَأْيِي وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مُولِيًا فَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِيلَاءَ عَلَيْهِ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً فِي ذَلِكَ إرَادَةَ إسْقَاطِ الْإِيلَاءِ عَنْهُ أَتَرَى ذَلِكَ مُجْزِئًا عَنْهُ وَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ نَعَمْ وَإِنْ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ لَا يُعْتِقَ إلَّا بَعْدَمَا يَحْنَثُ وَلَكِنْ إنْ فَعَلَ فَهُوَ مُجْزِئٌ عَنْهُ فَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ مَا كَانَ قَبْلَهُ.
قَالَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنْ ثَلَاثِ نِسْوَةٍ لَهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَوَطِئَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ ثُمَّ كَفَّرَ عَنْهَا وَنَسِيَ الْبَاقِيَتَيْنِ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي كَفَّارَتِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِكَفَّارَتِهِ لِمَكَانِ مَا وَطِئَ مِنْ الْأُولَى لَكَانَ ذَلِكَ مُجْزِئًا عَنْهُ فِي الِاثْنَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيمَا بَقِيَ شَيْءٌ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَصَامَ شَهْرًا ثُمَّ جَامَعَهَا فِي اللَّيْلِ قَالَ: يَسْتَأْنِفُ وَلَا يَبْنِي.
قَالَ: وَكَذَلِكَ الْإِطْعَامُ لَوْ بَقِيَ مِنْ الْمَسَاكِينِ شَيْءٌ.

.جَامِعُ الظِّهَارِ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ إذَا ظَاهَرَ مِنْهَا زَوْجُهَا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، تَمْنَعُهُ نَفْسَهَا قَالَ: وَلَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى شَعْرِهَا وَلَا إلَى صَدْرِهَا.
قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ أَفَيَنْظُرُ إلَى وَجْهِهَا، فَقَالَ: نَعَمْ وَقَدْ يَنْظُرُ غَيْرُهُ أَيْضًا إلَى وَجْهِهَا.
فَقُلْتُ: فَإِنْ خَشِيَتْ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهَا أَتَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَيَرَى مَالِكٌ أَيْضًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ ذَلِكَ وَهُوَ رَأْيِي.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً، فَارْتَجَعَهَا وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى رَجْعَتِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ الْمَرْأَةُ وَقَالَتْ لَا أُمَكِّنُكَ حَتَّى تُشْهِدَ.
فَقَالَ مَالِكٌ: قَدْ أَصَابَتْ وَنِعْمَ مَا فَعَلَتْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلُ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ثُمَّ يَجِدُ ثَمَنَ الْهَدْيِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ هَلْ يُنْتَقَضُ صَوْمُهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَمْضِي عَلَى صِيَامِهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ فَإِنْ كَانَ أَوَّلَ يَوْمٍ صَامَ وَوَجَدَ ثَمَنَ الْهَدْيِ؟
فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ شَاءَ أَهْدَى وَإِنْ شَاءَ تَمَادَى فِي صِيَامِهِ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ صِيَامُ الظِّهَارِ إذَا أَخَذَ فِي الصِّيَامِ ثُمَّ أَيْسَرَ؟
فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا صَامَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فِي الظِّهَارِ ثُمَّ أَيْسَرَ، فَلْيُعْتِقْ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ كَانَ صَامَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ تَمَادَى فِي صِيَامِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَتْلُ النَّفْسِ عِنْدِي مِثْلُ الظِّهَارِ.
قُلْتُ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ أَرَادَ الصِّيَامَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ؟
قَالَ: يَصُومُ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ.
قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَذَى: مَنْ كَانَ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ، فَالصِّيَامُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَالطَّعَامُ فِيهِ سِتَّةُ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مُدًّا مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْكَفَّارَاتِ سِوَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْأَذَى مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ وَالطَّعَامِ فِي الْجَزَاءِ، فَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَإِنَّمَا هُوَ مُدٌّ مُدٌّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ إنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا فَأَطْعَمَهُمْ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ الثَّلَاثِينَ الْمُدَّ الْبَاقِيَةَ لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا.

.كِتَابُ الْإِيلَاء:

.بَابُ الْإِيلَاءِ:

قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَيَكُونُ مُولِيًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ لَا.
فَقُلْتُ: فَإِنْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ؟
قَالَ: إذَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِيَمِينٍ عَلَيْهِ فَهُوَ مُولٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَغْتَسِلَ مِنْ امْرَأَتِهِ مِنْ جَنَابَةٍ أَيَكُونُ مُولِيًا؟
قَالَ: نَعَمْ يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّ هَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ إلَّا بِكَفَّارَةٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ آلَى مِنْهَا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ هَدْيٍ، أَيَكُونُ مُولِيًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ فَإِنْ قَرُبْتُكِ فَعَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ، أَيَكُونُ مُولِيًا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ، أَيَكُونُ مُولِيًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ.
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِغَرِيمٍ لَهُ وَاَللَّهِ لَا أَطَأُ امْرَأَتِي حَتَّى أُوَفِّيَكَ حَقَّكَ: إنَّهُ مُولٍ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ عِنْدِي تُشْبِهُ هَذِهِ.
قُلْتُ: وَكُلُّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ مُولٍ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ فَهُوَ سَوَاءٌ وَهُوَ مُولٍ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، فَفِعْلُهُ وَبِرُّهُ فِيهَا لَا يَكُونُ إلَّا إيلَاءً، فَرَأْيُ مَالِكٌ أَنَّهُ مُولٍ وَكَانَ مِنْ حُجَّتِهِ أَوْ حُجَّةِ مَنْ احْتَجَّ عَنْهُ وَأَنَا أَشُكُّ فِي قَوْلِهِ أَرَأَيْتَ إنْ رَضِيَتْ بِالْإِقَامَةِ أَكُنْتُ أُطَلِّقُهَا، فَكَذَلِكَ عِنْدِي كُلُّ مَا لَا يَسْتَطِيعُ فِعْلَهُ وَالْفَيْءَ فِيهِ وَلَمْ يُعَجَّلْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، لَهَا أَنْ تَرْضَى فَلَا يَكُونُ فِيهِ إيلَاءٌ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ ذَلِكَ أَنْ لَوْ قَالَ إنْ وَطِئْتُكِ حَتَّى أُمَسَّ السَّمَاءَ فَعَلَيَّ كَذَا وَكَذَا.
فَقَالَتْ: لَا أُرِيدُ أَنْ تَطَأَنِي وَأَنَا أُقِيمُ، لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ أَقَامَتْ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا عَلَى زَوْجِهَا قَبْلَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّهَا فَإِنَّ الَّذِي حَلَفَ بِطَلَاقِ الْبَتَّةِ أَنْ لَا يَطَأَ أَبَدًا يُطَلِّقُهَا عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَلَا يُمَكِّنُهُ مِنْ وَطْئِهَا، وَلَيْسَ مِمَّنْ يُوقَفُ عَلَى فَيْءٍ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَإِنْ أَقَامَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ لَمْ يُعَجَّلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ فَيْئَهُ الْوَطْءُ وَبِهِ الْحِنْثُ، وَإِنْ أَقَامَتْ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ وُقِفَ فَإِمَّا فَاءَ فَأَحْنَثَ نَفْسَهُ، وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ إنْ قَرُبْتُكِ فَعَلَيَّ كَفَّارَةٌ أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ أَيَكُونُ مُولِيًا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَلْتَقِي أَنَا وَأَنْتِ سَنَةً.
أَيَكُونُ هَذَا مُولِيًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: كُلُّ يَمِينٍ لَا يَقْدِرُ صَاحِبُهَا عَلَى الْجِمَاعِ لِمَكَانِهَا فَهُوَ مُولٍ، فَإِنْ كَانَ هَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ لِمَكَانِ يَمِينِهِ هَذِهِ فَهُوَ مُولٍ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْإِيلَاءَ فِي الْمَسِيسِ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ امْرَأَتَهُ سَنَةً، فَإِنْ كَلَّمَهَا فَهِيَ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ تَرَكَ كَلَامَهَا وَوَطِئَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إيلَاءٌ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ يُكَلِّمُهَا كَانَ قَدْ آلَى وَوُقِفَ حَتَّى يُرَاجِعَ أَوْ يُطَلِّقَ، وَإِنْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا، عَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْنَا النَّاسَ فِيمَا مَضَى وَلَكِنَّهُ يُوقَفُ حَتَّى يُؤْبَهَ لَهُ حَتَّى يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ يُونُسُ وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَمَسُّهَا فَلَا تَرَى ذَلِكَ يَكُونَ مِنْ الْإِيلَاءِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ الْإِيلَاءُ فِي هَجْرِهِ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ بِتَرْكِ الْمَسِيسِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَيَكُونُ مُولِيًا وَقَدْ اسْتَثْنَى فِي يَمِينِهِ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْهَا، فَقَالَ: هُوَ مُولٍ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي اسْتَثْنَى فِي يَمِينِهِ، هَلْ لَهُ أَنْ يَطَأَ بِغَيْرِ كَفَّارَةٍ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَ بِغَيْرِ كَفَّارَةٍ، فَلِمَ جَعَلَهُ مَالِكٌ مُولِيًا وَهُوَ يَطَأُ بِغَيْرِ كَفَّارَةٍ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَمْ يَطَأْهَا فَلَهَا أَنْ تُوقِفَهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي حَلَفَ بِهَا فِي رَقَبَتِهِ، إلَّا أَنَّ فِيهَا اسْتِثْنَاءً فَهُوَ مُولٍ مِنْهَا بِيَمِينٍ فِيهَا اسْتِثْنَاءٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْقِيفِ إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ إنْ طَلَبَتْ امْرَأَتُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَ بِغَيْرِ كَفَّارَةٍ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَازِمَةٌ لَهُ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْجِمَاعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ حَالِفٌ إلَّا أَنَّهُ حَالِفٌ بِيَمِينٍ فِيهَا اسْتِثْنَاءٌ فَهُوَ حَالِفٌ وَإِنْ كَانَ فِي يَمِينِهِ اسْتِثْنَاءٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لَا أَقْرَبَكِ؟
قَالَ: إذَا قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ فَفِي قَوْلِ مَالِكٍ هِيَ يَمِينٌ، فَإِذَا كَانَتْ يَمِينًا فَهُوَ مُولٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ الْمِيثَاقُ أَوْ قَالَ: كَفَالَةُ اللَّهِ، أَيَكُونُ مُولِيًا؟
قَالَ: هَذِهِ كُلُّهَا عِنْدَ مَالِكٍ أَيْمَانٌ، فَإِذَا كَانَتْ أَيْمَانًا فَهُوَ مُولٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ؟
قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهَا يَمِينًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَاهُ مُولِيًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَقُدْرَةِ اللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِ اللَّهِ؟
قَالَ: هَذِهِ أَيْمَانٌ كُلُّهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا أَقْرَبَكِ، أَيَكُونُ مُولِيًا؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ فِي أَشْهَدُ وَلَعَمْرِي: لَيْسَتَا بِيَمِينٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ أُقْسِمُ أَنْ لَا أَطَأَكَ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ فِي أُقْسِمُ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِاَللَّهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ كَانَ أَرَادَ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ فَأَرَاهُ مُولِيًا لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ وَلَمْ يُرِدْ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُولٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إنْ جَامَعْتُكِ؟
قَالَ: لَا يَكُونُ هَذَا يَمِينًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ يَمِينًا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ أَعْزِمُ وَلَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ أَوْ قَالَ أَعْزِمُ عَلَى نَفْسِي وَلَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ إنْ قَرَبْتُكِ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ فِي أُقْسِمُ إذَا لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ أَخْبَرْتُكَ، فَقَوْلُهُ عِنْدِي أَعْزِمُ مِثْلُ قَوْلِهِ أُقْسِمُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ قَالَ: أَنَا زَانٍ إنْ قَرَبْتُكِ، أَيَكُونُ مُولِيًا أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَكُونُ مُولِيًا، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ قَالَ: أَنَا زَانٍ إنْ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَلَيْسَ بِحَالِفٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ لَيَغِيظَنَّهَا أَوْ لَيَسُوءُنَّهَا فَتَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَوَقَفَتْهُ، أَيَكُونُ مُولِيًا أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَكُونُ هَذَا إيلَاءً.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ قَالَ إنْ قَرَبْتُ امْرَأَتِي سَنَةً فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ عَلَيَّ عِتْقٌ أَوْ هَدْيٌ فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ امْرَأَتَهُ؟
قَالَ: أَرَى قَوْلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِيلَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ أَجْلِ مَا عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ لِلَّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَلَفَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ يُونُسُ وَسَأَلْتُ رَبِيعَةَ عَنْ الْمُولِي، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إيلَاءٌ بِغَيْرِ يَمِينٍ حَلَفَهَا.
وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ عِتْقٌ أَوْ مَشْيٌ أَوْ هَدْيٌ أَوْ عَهْدٌ أَوْ قَالَ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: كُلَّمَا عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ فَلَمَّا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ وَقَفْته، فَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِقَوْلِي الْإِيلَاءَ وَإِنَّمَا أَرَدْت أَنْ لَا أَطَأَهَا بِقَدَمِي؟
قَالَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيُقَالُ لَهُ جَامِعْهَا حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّكَ لَمْ تُرِدْ الْإِيلَاءَ وَأَنْتَ فِي الْكَفَّارَةِ أَعْلَمُ إنْ شِئْتَ كَفِّرْ إذَا وَطِئْتَ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تُكَفِّرْ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُكِ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَمَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ فَوَقَفَتْهُ امْرَأَتُهُ، أَتَأَمَّرُهُ أَنْ يُجَامِعَهَا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ: إنِّي أَرَدْتُ أَنْ لَا أُجَامِعَهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ يُقَالُ لَهُ أَخْرِجْهَا وَجَامِعْهَا إنْ كُنْتَ صَادِقًا، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْكَ وَلَا يُتْرَكُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَامِعَهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ فِي دَارِي هَذِهِ سَنَةً وَهُوَ فِيهَا سَاكِنٌ مَعَ امْرَأَتِهِ، فَلَمَّا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَقَفْته، فَقَالَتْ قَدْ آلَى مِنِّي وَقَالَ الزَّوْجُ لَسْتُ مُولِيًا إنَّمَا أَنَا رَجُلٌ حَلَفْت أَنْ لَا أُجَامِعَهَا فِي دَارِي هَذِهِ، فَأَنَا لَوْ شِئْت جَامَعْتُهَا فِي غَيْرِ دَارِي بِلَا كَفَّارَةٍ؟
قَالَ: لَا أَرَاهُ مُولِيًا، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ يَأْمُرَهُ السُّلْطَانُ أَنْ يُخْرِجَهَا فَيُجَامِعَهَا، لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مُضَارًّا لَا أَنْ تَتْرُكَهُ الْمَرْأَةُ فَلَا تُرِيدُ؟ ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ فِي هَذَا الْمِصْرِ أَوْ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ؟
قَالَ: نَعَمْ هُوَ سَوَاءٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ إنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ فِي هَذَا الْمِصْرِ أَوْ فِي هَذِهِ الدَّارِ إنَّهُ مُولٍ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى أَخْرُجَ مِنْهَا، إذَا كَانَ خُرُوجُهُ يَتَكَلَّفُ فِيهِ الْمُؤْنَةَ وَالْكُلْفَةَ فَهُوَ مُولٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَطَأُ امْرَأَتِي وَلَكَ عَلَيَّ حَقٌّ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أَطَأُ حَتَّى أَقْضِيَكَ وَأَنَّهُ مُولٍ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَقُولُ لَا أَطَأُ حَتَّى أَقْضِيَكَ حَقَّكَ أَنَّهُ مُولٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَطِئْتُكِ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَهُوَ حُرٌّ؟
قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ لِي مَالِكٌ: إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ فَقَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ: إنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا اشْتَرَى، لِأَنَّ هَذَا مِثْلُ مَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَإِذَا عَمَّ فِي الْعِتْقِ أَوْ الطَّلَاقِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ مِنْ الْفُسْطَاطِ فَهُوَ حُرٌّ؟
قَالَ: هَذَا يَلْزَمُهُ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ.
قُلْتُ: وَيَكُونُ بِهِ مُولِيًا إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ ذَلِكَ؟
قَالَ: لَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ يَمِينٌ إنْ وَطِئَهَا حَنِثَ بِهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا بِالْفُسْطَاطِ فَيَقَعَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ مِنْ يَوْمِ يَشْتَرِيهِ، وَكُلُّ يَمِينٍ حَلَفَ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى تَرْكِ وَطْءِ امْرَأَتِهِ كَانَ لَوْ وَطِئَ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ حَانِثًا فِي شَيْءٍ يَقَعُ عَلَيْهِ عِنْدَ حِنْثِهِ فَلَا أَرَاهُ مُولِيًا حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ الشَّيْءَ فَيَمْنَعَهُ مِنْ الْوَطْءِ مَكَانُهُ، فَيَكُونُ بِهِ مُولِيًا، فَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ يَكُونُ بِذَلِكَ مُولِيًا لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ الْحِنْثُ بِالْفَيْءِ حَتَّى تَلْزَمَهُ ذَلِكَ إذَا صَارَ إلَيْهِ فَهُوَ مُولٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدُ عَتَقَ عَلَيْهِ قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَطِئْتُكِ فَكُلُّ مَا أَمْلِكُهُ مِنْ ذِي قَبْلُ فَهُوَ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ؟
قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لَوْ حَلَفَ بِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِ مَا يُفِيدُ.
قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ كُلُّ مَالٍ أُفِيدَهُ بِالْفُسْطَاطِ فَهُوَ صَدَقَةٌ إنْ جَامَعْتُكِ، أَيَكُونُ مُولِيًا أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، وَهُوَ مِثْلُ مَا فَسَّرْتُ لَكَ فِي الْعِتْقِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: إنْ جَامَعْتُكِ فَعَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي أَنَا فِيهِ بِعَيْنِهِ، أَيَكُونُ مُولِيًا أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَكُونُ هَذَا مُولِيًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَصُمْ ذَلِكَ الشَّهْرَ حَتَّى مَضَى ثُمَّ جَامَعَهَا، أَيَكُونُ عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الشَّهْرِ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَكُونُ عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الشَّهْرِ.
قُلْتُ: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّ الشَّهْرَ قَدْ مَضَى وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ لَوْ أَنَّهُ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَنْسَلِخَ الشَّهْرُ أَوْ جَامَعَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ شَيْءٌ، فَهَذَا الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْأَيَّامِ الَّتِي جَامَعَ فِيهَا وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ إنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ بَاعَ عَبْدَهُ ثُمَّ جَامَعَ امْرَأَتَهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا، فَكَذَلِكَ الشَّهْرُ إذَا مَضَى ثُمَّ جَامَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الَّذِي بَاعَهُ ثُمَّ جَامَعَ بَعْدَ ذَلِكَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ إلَّا يَوْمًا وَاحِدًا أَيَكُونُ مُولِيًا؟
قَالَ: قَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهَا شَيْئًا وَلَسْتُ أَرَى عَلَيْهِ إيلَاءً إلَّا أَنْ يَطَأَ، فَإِنْ وَطِئَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ السَّنَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ حَتَّى تَفْطِمِي وَلَدَك؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ هَذَا مُولِيًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الضَّرَرِ إنَّمَا أَرَادَ صَلَاحَ وَلَدِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَهُ قَالَ يُونُسُ: إنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ امْرَأَتِي حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدِي؟ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: مَا نَعْلَمُ الْإِيلَاءَ يَكُونُ إلَّا الْحَلِفُ بِاَللَّهِ فِيمَا يُرِيدُ الْمَرْءُ أَنْ يُضَارَّ بِهِ امْرَأَتَهُ مِنْ اعْتِزَالِهَا، وَمَا نَعْلَمُ اللَّهَ فَرَضَ فَرِيضَةَ الْإِيلَاءِ إلَّا عَلَى أُولَئِكَ فِيمَا نَرَى، إلَّا أَنَّ الَّذِي يَحْلِفُ يُرِيدُ الضَّرَرَ وَالْإِسَاءَةَ إلَّا أَنَّ حَلِفَهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْإِيلَاءِ، وَلَا نَرَى هَذَا الَّذِي أَقْسَمَ الِاعْتِزَالَ لِامْرَأَتِهِ حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا أَقْسَمَ إلَّا عَلَى أَمْرٍ يَتَحَرَّى فِيهِ الْخَيْرَ وَلَيْسَ مُتَحَرِّي الْخَيْرَ كَالْمُضَارِّ، فَلَا نَرَاهُ وَجَبَ عَلَى هَذَا مَا وَجَبَ عَلَى الْمُولِي الَّذِي يُولِي فِي الْغَضَبِ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُكِ سَنَةً وَنَوَى الْجِمَاعَ فَمَضَتْ سَنَةٌ قَبْلَ أَنْ تُوقِفَهُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا مَضَتْ السَّنَةُ فَلَا إيلَاء عَلَيْهِ قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ رَجُلٍ آلَى أَنْ لَا يَمَسَّ امْرَأَتَهُ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ وَقَفَ فَأَبَى أَنْ يَفِيءَ فَطَلُقَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ ارْتَجَعَهَا فَانْقَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَلَمْ يَمَسَّهَا، أَتَرَى رَجْعَتَهُ ثَابِتَةً عَلَيْهَا إنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ إنْ لَمْ يَمَسَّهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الرَّجْعَةُ لَهُ ثَابِتَةٌ إذَا انْقَضَى وَقْتُ الْيَمِينِ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَرَجْعَتُهُ رَجْعَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ هَهُنَا يَمِينٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْجِمَاعِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ، ثُمَّ قَالَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِشَهْرٍ عَلَيَّ حَجَّةٌ إنْ قَرُبْتُكِ فَلَمَّا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ حَلَفَ بِالْيَمِينِ الْأُولَى وَقَفْته الْمَرْأَةُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، فَلَمْ يَفِ فَطَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ فَارْتَجَعَهَا مَكَانَهُ، فَمَضَى شَهْرٌ آخَرُ وَحَلَّ أَجَلُ الْإِيلَاءِ الَّذِي بِالْحَجِّ فَأَرَادَتْ أَنْ تُوقِفَهُ أَيْضًا، أَيَكُونُ لَهَا ذَلِكَ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، لِأَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي زَادَ إنَّمَا هِيَ تَوْكِيدٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَفَتْهُ فَحَنِثَ نَفْسَهُ أَنَّ الْحِنْثَ يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْيَمِينَيْنِ جَمِيعًا، فَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ إذَا أَبَى الْفَيْءَ فَذَلِكَ لِلْيَمِينَيْنِ، وَقَدْ قَالَ هَذَا غَيْرُهُ أَيْضًا وَقَالَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَيَجْلِدَنَّ غُلَامَهُ جَلْدًا يَجُوزُ لَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَبَاعَ الْغُلَامَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِدَهُ.
فَقَالَ: أَوْقِفْهُ عَنْ امْرَأَتِهِ وَاضْرِبْ لَهُ أَجَلَ الْمُولِي فَإِذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ الْعَبْدُ بِشِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ بِحِلٍّ فَيَجْلِدُهُ، طَلُقَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَاحِدَةً، فَإِنْ صَارَ إلَيْهِ الْعَبْدُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمُلْكِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَجَلَدَهُ رَأَيْتُ لَهُ الرَّجْعَةَ ثَابِتَةً وَإِنْ لَمْ يَصِرْ الْعَبْدُ إلَيْهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بَانَتْ مِنْهُ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا رَجَعَ إلَيْهِ الْوَقْفُ إلَّا أَنْ يَمْلِكَ الْعَبْدَ فَيَجْلِدَهُ فَيَخْرُجَ مِنْ يَمِينِهِ.
قَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَهُوَ ابْنُ دِينَارٍ وَسَاعَةَ بَاعَ عَبْدَهُ وَخَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ.
وَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِعِتْقِ غُلَامِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ فَبَاعَهُ: إنَّ الْبَيْعَ مَرْدُودٌ، فَإِذَا رَدَدْتُهُ أَعْتَقْتُ الْعَبْدَ لِأَنِّي لَا أَنْقُضُ شِرَاءَ مُسْلِمٍ قَدْ ثَبَتَ إلَى رَقِّ، وَلَكِنِّي أَنْقُضُهُ إلَى حُرِّيَّةٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يُوَقِّتْ؟
قَالَ مَالِكٌ: يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ مِنْ يَوْمِ تَرْفَعُ ذَلِكَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ إذَا تَبَيَّنَ لِلسُّلْطَانِ ضَرَرُهُ بِهَا قَالَ: فَأَمَّا إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَيَفْعَلَنَّهُ، فَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ فَعَلَ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ أَنْتَ بِسَبِيلِ الْحِنْثِ فَلَا تَقْرَبْهَا، فَإِنْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ ضَرَبَ لَهُ السُّلْطَانُ أَجَلَ الْمُولِي، مِثْلُ الرَّجُلِ يَقُولُ: امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ لَمْ أَحُجَّ وَلَمْ يُوَقِّتْ سَنَةً بِعَيْنِهَا وَهُوَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ، أَوْ قَالَ لَأَخْرُجَنَّ إلَى بَلْدَةٍ فَلَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى الْخُرُوجِ مِنْ قَبْلِ انْقِطَاعِ الطَّرِيقِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يُسْتَطَاعُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَلَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ فَيَفِيءُ، وَفَيْئَتُهُ فِعْلُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَيَفْعَلَنَّهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ فَيَفِيءُ، وَلِأَنَّ فَيْءَ هَذَا لَيْسَ هُوَ بِالْوَطْءِ، إنَّمَا فَيْئُهُ فِعْلُ الشَّيْءِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ، فَمِنْ هَهُنَا لَا يَكُونُ بِسَبِيلِ الْحِنْثِ وَلَا يُوقَفُ عَنْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُولِيَ نَفْسَ الْإِيلَاءِ إذَا جَاءَ أَجَلُهُ وَأَوْقَفَتْهُ امْرَأَتُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ مَسْجُونٌ أَنَّهُ يُمَدُّ لَهُ فِي أَجَلِهِ لِلْعُذْرِ الَّذِي هُوَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ طَأْ وَهُوَ مَسْجُونٌ وَلَا وَهُوَ مَرِيضٌ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ قِيلَ لَهُ فِئْ وَإِلَّا طُلِّقَ عَلَيْكَ، فَكَذَلِكَ الْحَالِفُ لَيَحُجَّنَّ أَوْ لَيَخْرُجَنَّ إلَى الْبَلَدِ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ إلَى الْبَلْدَةِ وَوَجَدَ السَّبِيلَ إلَى الْفَيْءِ فَتَرَكَ الْمَخْرَجَ الَّذِي لَهُ صَارَ بِسَبِيلِ الْحِنْثِ وَتَرَكَ الْحَجَّ حَتَّى جَاءَ وَقْتُ أَنْ خَرَجَ لَمْ يُدْرِكْ الْحَجَّ، فَمِنْ حِينَئِذٍ يُقَالُ لَهُ لَا تُصِبْ امْرَأَتَكَ لِأَنَّكَ بِسَبِيلِ حِنْثٍ حِينَ تَرَكْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِكَ مَا حَلَفْتَ لَتَفْعَلَنَّ فَإِنْ رَفَعَتْ امْرَأَتُهُ أَمْرَهَا ضَرَبَ لَهُ السُّلْطَانُ أَجَلَ الْإِيلَاءِ، فَإِنْ فَعَلَ قَبْلَ أَجَلِ الْإِيلَاءِ مَا هُوَ بِرُّهُ وَمَخْرَجُهُ مِنْ الْحَجِّ وَالْخُرُوجِ إلَى الْبَلْدَةِ: بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَسَقَطَ حَلِفُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ، وَإِنْ جَاءَ وَقْتُ الْإِيلَاءِ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ طَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ بِالْإِيلَاءِ، فَإِنْ ارْتَجَعَ وَفَعَلَ الْحَجَّ وَالْخُرُوجَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَانَتْ امْرَأَتُهُ وَكَانَتْ رَجَعْتُهُ ثَابِتَةٌ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَقَدْ فَاءَ لِأَنَّ فَيْئَهُ فِعْلُهُ كَمَا أَنَّ فَيْءَ الْمُولِي نَفْسُ الْإِيلَاءِ الْوَطْءُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُولِيَ إذَا طُلِّقَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ بِتَرْكِ الْفَيْءِ ثُمَّ ارْتَجَعَ فَإِنْ صَدَّقَ رَجْعَتَهُ بِفَيْئِهِ - وَهُوَ الْوَطْءُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ - ثَبَتَتْ رَجَعْتُهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْيَمِينُ.
قَالَ يُونُسُ عَنْ رَبِيعَةَ فِي الَّذِي يَقُولُ: إنْ لَمْ أَضْرِبْ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ قَالَ رَبِيعَةُ: يَنْزِلُ بِمَنْزِلَةِ الْمُولِي إلَّا أَنْ يَكُونَ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أَلْبَتَّةَ لَيَضْرِبَنَّ رَجُلًا مُسْلِمًا وَلَيْسَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ وِتْرٌ وَلَا أَدَبٌ، وَإِنَّ ضَرْبَهُ إيَّاهُ - لَوْ ضَرَبَهُ - خَدِيعَةٌ مِنْ ظُلْمٍ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى ضَرْبِ رَجُلٍ هُوَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ لَا يُنْتَظَرُ بِهِ وَلَا نَعْمَةُ عَيْنٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ: يَا فُلَانُ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ لَمْ تَهَبْ لِي دِينَارًا؟
قَالَ: يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْإِيلَاءُ، وَلَكِنْ يَتَلَوَّمُ لَهُ السُّلْطَانُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى مِمَّا يَحْلِفُ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَهْبَ لَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مَا حَلَفَ لَهُ الْحَالِفُ وَإِلَّا فَرَّقَ السُّلْطَانُ بَيْنَهُمَا مَكَانَهُ.
قُلْتُ: وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ جَمِيعًا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تُسْلِمِي وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِيهَا: لَيْسَ فِي هَذَا إيلَاءٌ، وَلَكِنَّهُ يُوقَفُ وَيَتَلَوَّمُ لَهُ السُّلْطَانُ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ فِيهَا.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ إنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا إنْ ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَحَمَلَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ لِيَمِينِهِ أَجَلًا ضَرَبَ لَهُ السُّلْطَانُ أَجَلًا، فَإِنْ أَنْفَذَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَبِسَبِيلِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُنَفِّذْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ صَاغِرًا قَمِيئًا فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي فَتَحَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْيَمِينِ الْخَاطِئَةِ مِنْ نَزْغِ الشَّيْطَانِ.
وَقَالَ رَبِيعَةُ فِي الَّذِي حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ إلَى إفْرِيقِيَّةَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ، قَالَ رَبِيعَةُ: يَكُفُّ عَنْ امْرَأَتِهِ وَلَا يَكُونُ مِنْهَا بِسَبِيلٍ، فَإِنْ مَرَّتْ بِهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُنْزِلَ بِمَنْزِلَةِ الْمُولِي وَعَسَى أَنْ لَا يَزَالَ مُولِيًا حَتَّى يَأْتِيَ إفْرِيقِيَّةَ وَيَفِيءَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
قَالَ اللَّيْثُ وَقَالَ رَبِيعَةُ فِي الَّذِي يَحْلِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَيَتَزَوَّجْنَ عَلَيْهَا: إنَّهُ يُوقَفُ عَنْهَا حَتَّى لَا يَطَأَهَا وَيُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْمُولِي.
قَالَ اللَّيْثُ وَنَحْنُ نَرَى ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ نَافِعٍ، قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَحْلِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَيَحُجَّنَّ وَلَمْ يُسَمِّ الْعَامَ الَّذِي يَحُجُّ فِيهِ: لَهُ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ الْأَوَّلِ، فَإِنْ جَاءَ الْحَجُّ فِي الْإِبَّانِ الَّذِي يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ مِنْ بَلَدِهِ فَلَا يَمَسَّهَا حَتَّى يَحُجَّ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا لَيْسَتْ لَهُ بِزَوْجَةٍ، وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، أَيَكُونُ مُولِيًا إنْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ هُوَ مُولٍ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْتُ وَلِمَ وَهُوَ حِينَ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بِزَوْجَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ اللَّهُ: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ فَهُوَ مُظَاهِرٌ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الَّذِي آلَى مِنْ تِلْكَ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَتْ لَهُ بِزَوْجَةٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، أَنَّهُ مُولٍ مِنْهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ.
وَقَالَ اللَّهُ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَ أُمَّ جَارِيَةٍ لَهُ قَدْ وَطِئَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَوَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ، فَتَزَوَّجَهَا فَوَقَعَ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، أَيَقَعُ الْإِيلَاءُ أَمْ لَا تُوقِعُهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ قَبْلَ وُقُوعِ الْإِيلَاءِ؟
قَالَ: نَعَمْ هَذَا يَلْزَمُهُ فِي الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ فَقَالَ لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَنَّهُ مُولٍ فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا فَقَالَ لَهَا إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي: إنَّهُ إنْ تَزَوَّجَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُظَاهِرٌ مِنْهَا إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَجَعَلَ مَالِكٌ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ جَمِيعًا يَلْزَمَانِهِ جَمِيعًا، أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَلَمْ يَقُلْ إنْ تَزَوَّجْتُكِ وَلَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا مِنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ حِينَ قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَرَادَ بِذَلِكَ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَيَكُونُ فِيهَا مُظَاهِرًا بِمَا نَوَى، فَهَذَا فِي الظِّهَارِ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَلَمْ يَقُلْ إنْ تَزَوَّجْتُكِ وَلَمْ يَنْوِ مَا قُلْتُ لَكَ وَلَا يَكُونُ مُظَاهِرًا إنْ تَزَوَّجَهَا، وَهُوَ إنْ قَالَ لَهَا إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنَّهُ إنْ تَزَوَّجَهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَهُوَ مُظَاهِرٌ مِنْهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ وَقَعَا مَعًا جَمِيعًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، فَالْإِيلَاءُ أَلْزَمُ مِنْ هَذَا وَقَدْ وَقَعَ الْإِيلَاءُ وَالطَّلَاقُ مَعًا، وَإِنَّمَا أَخْبَرْتُكَ أَنَّ الْإِيلَاءَ أَلْزَمُ مِنْ الظِّهَارِ لِأَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ عِنْدَ مَالِكٍ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ مُولٍ.
وَلَوْ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا إنْ لَمْ يَكُنْ يَنْوِي إذَا تَزَوَّجْتُكِ، فَبِهَذَا كَانَ الْإِيلَاءُ أَلْزَمَ مِنْ الظِّهَارِ، وَالْإِيلَاءُ لَازِمٌ فِي مَسْأَلَتِكَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَوَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؟
قَالَ: إنْ تَزَوَّجَهَا فَهُوَ مُولٍ إذَا تَزَوَّجَهَا فَإِنْ وَطِئَهَا كَانَتْ طَالِقًا وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ آلَى مِنْهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى هَذَا مُولِيًا وَلَا أَرَى أَنْ يُوقَفَ حَتَّى تَبْلُغَ الْوَطْءَ.
قُلْتُ: أَتُوقِفُهُ يَوْمَ بَلَغَتْ الْوَطْءَ إنْ كَانَ قَدْ مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ بَلَغَتْ الْوَطْءَ؟
قَالَ: بَلْ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ بَلَغَتْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَلْبَتَّةَ، أَيُطَلِّقُهَا عَلَيْهِ مَالِكٌ مَكَانَهُ أَمْ يَجْعَلُهُ مُولِيًا وَلَا يُطَلِّقُهَا عَلَيْهِ؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ هُوَ مُولٍ.
قُلْتُ: لِمَ لَا يُطَلِّقُهَا مَالِكٌ.
عَلَيْهِ حِينَ قَالَ إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَقَدْ عَلِمَ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى امْرَأَةٍ إلَّا أَنْ يَطَأَهَا؟
قَالَ: لِأَنَّ هَذَا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْفِعْلِ، وَلَيْسَ هَذَا أَجَلًا طُلِّقَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا هَذَا فِعْلٌ طَلَّقَ بِهِ، فَلَا يُطَلِّقُ حَتَّى يَحْنَثَ بِذَلِكَ الْفِعْلِ، وَهِيَ إنْ تَرَكَتْهُ فَلَمْ تَرْفَعْهُ إلَى السُّلْطَانِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَبَدًا إلَّا أَنْ يُجَامِعَهَا، فَهَهُنَا وَجْهٌ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ أَبَدًا لِأَنَّهَا إنْ تَرَكَتْهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ.
قال سَحْنُونٌ: وَقَدْ قَالَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ: إنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْفَيْءِ لِأَنَّ بَاقِيَ وَطْئِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ، فَلِذَلِكَ لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ.
وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ أَنَّ السُّلْطَانَ يُحَنِّثُهُ وَلَا يَضْرِبُ لَهُ أَجَلَ الْمُولِي لِأَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْفَيْءِ إذَا قَامَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ إذَا كَانَ حَلِفُهُ عَلَى أَنْ لَا يَطَأَهَا أَبَدًا وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا الَّذِي فَوْقُ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ فِيهَا الرَّجْعَةَ، ثُمَّ آلَى مِنْهَا، أَيَكُونُ مُولِيًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ مُولِيًا إنْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وُقِفَ فَإِمَّا فَاءَ وَإِمَّا طُلِّقَ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ عَبْدِي مَيْمُونٌ حُرٌّ إنْ وَطِئْتُكِ، فَبَاعَ مَيْمُونًا أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَعْتِقُ، قُلْتُ: فَإِنْ اشْتَرَى مَيْمُونًا بَعْدَ ذَلِكَ، أَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمَا وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ؟
قَالَ: لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: فَهَلْ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ امْرَأَتِهِ حِينَ اشْتَرَاهُ؟
قَالَ: نَعَمْ، هُوَ مُولٍ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ مَالِكٍ بَعْدَمَا اشْتَرَى الْعَبْدَ حَنِثَ وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ، فَلَمَّا صَارَ لَا يَطَؤُهَا إلَّا بِالْحِنْثِ صَارَ مُولِيًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثَلَاثًا أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَةً لَهُ أُخْرَى، فَطَلَّقَ الَّتِي حَلَفَ بِطَلَاقِهَا تَطْلِيقَةً فَتَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ الَّتِي كَانَ مُولِيًا مِنْهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَإِنْ تَزَوَّجَ الَّتِي كَانَ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا بَعْدَ زَوْجٍ أَوْ قَبْلَ زَوْجٍ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ الَّتِي كَانَ مِنْهَا مُولِيًا بِطَلَاقِ هَذِهِ الَّتِي نَكَحَ؟
قَالَ: إنْ وَطِئَهَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ بِبَقِيَّةِ طَلَاقِهَا وَهِيَ تَطْلِيقَتَانِ.
قَالَ: وَإِنْ تَرَكَهَا لَا يَطَؤُهَا كَانَ مِنْهَا مُولِيًا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَطَأَ إلَّا بِحِنْثٍ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ طَلَّقَ الَّتِي كَانَ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا أَلْبَتَّةَ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ، أَيَكُونُ مُولِيًا مِنْ امْرَأَتِهِ الَّتِي كَانَ آلَى مِنْهَا بِطَلَاقِ هَذِهِ؟
قَالَ: لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ قَدْ ذَهَبَ كُلُّهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدٍ لَهُ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَقَدْ سَقَطَتْ الْيَمِينُ فَكَذَلِكَ طَلَاقُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ قَدْ ذَهَبَ كُلُّهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ طَلَّقَ الَّتِي آلَى مِنْهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ؟
قَالَ: هُوَ مُولٍ مِنْهَا مَا دَامَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي آلَى مِنْهَا بِطَلَاقِهَا مِنْ الْأُخْرَى تَحْتَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ طَلَاقِ ذَلِكَ الْمِلْكِ الَّذِي آلَى فِيهِ.
ابْنُ الْقَاسِمِ: أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَلْبَتَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ؟
قَالَ: هُوَ مُولٍ مِنْهَا فَكَذَلِكَ إذَا آلَى مِنْهَا بِطَلَاقِ صَاحِبَتِهَا، ثُمَّ طَلَّقَ الَّتِي آلَى مِنْهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَاَلَّتِي كَانَ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا تَحْتَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ طَلَاقِ الْمِلْكِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُولٍ مِنْ امْرَأَتِهِ هَذِهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَطِئْتُكِ فَفُلَانَةُ طَالِقٌ لِامْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى، فَطَلَّقَ الَّتِي حَلَفَ بِطَلَاقِهَا تَطْلِيقَةً فَوَطِئَ هَذِهِ الْأُخْرَى وَتِلْكَ فِي عِدَّتِهَا، أَيَقَعُ عَلَيْهِ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا قَدْ انْقَضَتْ فَوَطِئَ هَذِهِ الَّتِي تَحْتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَ الَّتِي كَانَ طَلَّقَ ثُمَّ وَطِئَ هَذِهِ الَّتِي تَحْتَهُ: إنَّهُ يَحْنَثُ وَيَقَعُ عَلَيْهِ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يَمُوتَ فُلَانٌ، لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ، أَيَكُونُ مُولِيًا؟
قَالَ: نَعَمْ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ لَوْ قَالَ إنْ وَطِئْتُكِ حَتَّى يَقْدَمَ أَبِي، وَأَبُوهُ بِالْيَمَنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، قَالَ هُوَ مُولٍ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ آلَى مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ فَمَاتَتْ إحْدَاهُنَّ أَوْ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، أَيَكُونُ مُولِيًا فِي الْبَوَاقِي إنْ وَطِئَ شَيْئًا مِنْهُنَّ حَنِثَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ نِسَاءَهُ الْأَرْبَعَ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ وَطِئَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، أَيَقَعُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَإِنْ وَطِئَ الْأَوَاخِرَ فَإِنَّمَا يَطَؤُهُنَّ بِغَيْرِ يَمِينٍ.
قَالَ: نَعَمْ لِأَنَّهُ لَمَّا حَنِثَ فِي الْأُولَى سَقَطَتْ الْيَمِينُ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِوَطْءِ الْأُولَى.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ وَلَيْسَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي وَاحِدَةٍ دُونَ الْأُخْرَى، أَتَجْعَلُهُ عَلَى جَمِيعِهِنَّ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ يَكُونُ عَلَى جَمِيعِهِنَّ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُولِيَ إذَا مَضَتْ لَهُ سَنَةٌ وَلَمْ يُوقَفْ، أَيُطَلَّقُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَالَ: لَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ لَا يَرَى الْإِيلَاءَ شَيْئًا حَتَّى يُوقَفَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا آلَى الرَّجُلُ أَنْ لَا يَمَسَّ امْرَأَتَهُ فَمَضَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَإِمَّا أَنْ يُمْسِكَهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الَّذِي صَنَعَ طَلَاقًا وَلَا غَيْرَهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانِ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَأَبِي الزِّنَادِ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يُوقَفَ، وَإِنْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ فَيَفِيءُ أَوْ يُطَلِّقُ.
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: وَإِنْ مَضَتْ بِهِ السَّنَةُ حَتَّى يُوقَفَ، فَيَفِيءُ أَوْ يُطَلِّقُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ ابْنِ الْهَادِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُول إذَا آلَى الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ فَلَا تَحْرِيمَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَكَثَ سَبْعَ سِنِينَ، وَلَكِنَّ السُّلْطَانَ يَدْعُوهُ فَيَفِيءُ أَوْ يُطَلِّقُ قَالَ ابْنُ الْهَادِ وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ وَإِنْ مَكَثَتْ سَنَةً.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ إلَّا فِي بَلَدِ كَذَا وَكَذَا، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ تِلْكَ الْبَلَدِ مَسِيرَةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، أَيَكُونُ مُولِيًا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَالْإِيلَاءُ لَازِمٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ فِي الَّذِي يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى أَقْضِيَ فُلَانًا حَقَّهُ: إنَّهُ مُولٍ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ وَقَفَتْهُ فَقَالَ دَعُونِي أَخْرُجُ إلَى تِلْكَ الْبَلْدَةِ؟
قَالَ: أَرَى إنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَلَدُ أَمْرًا قَرِيبًا مِثْلَ مَا يُجْبَرُ بِالْفَيْئَةِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا رَأَيْتُ أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ، وَلَا يُزَادُ فِي الْإِيلَاءِ أَكْثَرُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ إنْ وَطِئْتُكِ حَتَّى أُكَلِّمَ فُلَانًا أَوْ أَقْضِيَ فُلَانًا حَقَّهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَوَقَفَتْهُ، فَقَالَ أَنَا أَقْضِي أَوْ أَنَا أَفِيءُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ غَائِبٌ قَالَ: إنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ غَيْبَةً قَرِيبَةً مِثْلَ مَا لَوْ قَالَ أَنَا أَفِيءُ فَيُتْرَكُ إلَيْهِ فَذَلِكَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ بَعِيدَةً لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَطَلُقَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ.
وَقِيلَ لَهُ ارْتَجِعْ إنْ أَحْبَبْتَ، وَلَقَدْ قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الَّذِي يَقُولُ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى أَقْضِيَ فُلَانًا: إنَّهُ مُولٍ، فَهَذَا حِينَ قَالَ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى أَقْدَمَ بَلَدًا كَذَا وَكَذَا فَهُوَ مِثْلُ مَا يَقُولُ حَتَّى أَقْضِيَ فُلَانًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ جَامَعَهَا بَيْنَ فَخِذَيْهَا بَعْدَمَا وَقَفَتْهُ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُوقِفَهُ، أَيَكُونُ حَانِثًا وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْإِيلَاءُ وَهَلْ يَكُونُ هَذَا فَيْئًا أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ الْفَيْءُ الْجِمَاعُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فَلَا أَرَى فَيْئَهُ إلَّا الْجِمَاعَ وَلَا يُجْزِئُهُ الْجِمَاعُ حَيْثُ ذَكَرْتَ وَلَا الْقُبْلَةُ وَلَا الْمُبَاشَرَةُ وَلَا اللَّمْسُ.
قُلْتُ: وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ حِينَ جَامَعَهَا بَيْنَ فَخِذَيْهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنْ كَانَ نَوَى الْفَرْجَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنِّي سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ لِجَارِيَتِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ وَطِئْتُكِ شَهْرًا فَعَبِثَ عَلَيْهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ.
قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ الْفَرْجَ بِعَيْنِهِ فَأَرَاهُ حَانِثًا، لِأَنِّي لَا أَرَى مَنْ حَلَفَ بِمِثْلِ هَذَا إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَعْتَزِلَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نِيَّتُهُ فِي الْفَرْجِ بِعَيْنِهِ فَقَدْ حَنِثَ فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ أُخْرَى فَحَنِثَ بِعِتْقِ الْغُلَامِ أَوْ بِطَلَاقِ الْمَرْأَةِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْيَمِينُ وَلَمْ يَكُنْ مُولِيًا، وَإِنْ هُوَ كَفَّرَ وَكَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ حَتَّى يَسْقُطَ يَمِينُهُ فَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ.
وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ فَالْإِيلَاءُ عَلَيْهِ كَمَا هِيَ حَتَّى يُجَامِعَ، وَهُوَ أَعْلَمُ فِي كَفَّارَتِهِ لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يُكَفِّرَ فِي أَشْيَاءَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ غَيْرِ هَذِهِ، وَحَقُّ الْمَرْأَةِ فِي الْوَقْتِ وَوُجُوبُ الْإِيلَاءِ قَدْ كَانَ عَلَيْهِ، فَلَا يُخْرِجُهُ إلَّا الْفَيْءُ وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَمِينُهُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، فَسَقَطَ فَيَقَعُ الْيَمِينُ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ إيلَاءٌ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ يَمِينُهُ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ أُخْرَى.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ سَافَرَ عَنْهَا، فَلَمَّا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ أَتَتْ امْرَأَتُهُ إلَى السُّلْطَانِ كَيْفَ يَصْنَعُ هَذَا السُّلْطَانُ فِي أَمْرَهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ وَيَكْتُبُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَيُوقَفُ فِيهِ، فَإِمَّا فَاءَ وَإِمَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ، وَمِمَّا تَعْرِفُ بِهِ فَيْئَتَهُ أَنْ يُكَفِّرَ إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ يُونُسُ سَأَلْتُ رَبِيعَةَ هَلْ يُخْرِجُهُ مِنْ الْإِيلَاءِ إنْ قَالَ: أُكَفِّرُ وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، فِي رَأْيِي قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ مِثْلَ ذَلِكَ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَسِيرَةُ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَرَفَعَتْ الْمَرْأَةُ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ عِنْدَ مَالِكٍ حَتَّى يَكْتُبَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَمَا أَخْبَرْتُكَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وُقِفَ فِي مَوْضِعِهِ ذَلِكَ فَفَاءَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ؟ قَالَ قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ لَمْ تُعْرَفْ فَيْئَتُهُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وُقِفَ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مَعَ امْرَأَتِهِ فَفَاءَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: وَيُخَيَّرُ الْمَرَّةَ وَالْمَرَّتَيْنِ فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا طُلِّقَ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ أَنَا أَفِيءُ وَهِيَ حَائِضٍ؟
قَالَ: يُمَكِّنُهُ السُّلْطَانُ مِنْهَا وَيُمْهِلُهُ حَتَّى تَطْهُرَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَسْجُونَ وَالْمَرِيضَ إذَا رَفَعَتْ الْمَرْأَةُ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ؟
قَالَ: تُعْرَفُ فَيْئَتُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ كَمَا تُعْرَفُ فَيْئَةُ الْغَائِبِ الَّذِي وَصَفْتُ لَكَ، وَالْمَرِيضُ وَالْمَسْجُونُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ، فَفَيْئَتُهُ مِثْلُ فَيْئَةِ الْغَائِبِ الَّذِي وَصَفْتُ لَكَ.
قَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَابْنُ دِينَارٍ إنْ عَرَضَ لَهُ حَبْسٌ فِي سِجْنٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى الْإِصَابَةِ فَلَمَّا حَلَّ أَجَلُهُ قِيلَ لَهُ: أَتَفِيءُ أَوْ تُفَارِقُ، فَإِنْ قَالَ لَا بَلْ أَنَا أَفِيءُ وَلَكِنِّي فِي عُذْرٍ كَمَا تَرَوْنَ، قِيلَ لَهُ فَإِنَّ مِمَّا تَعْرِفُ بِهِ فَيْئَتَكَ أَنْ تُعْتِقَ غُلَامَكَ إنْ كُنْتَ حَلَفْتَ بِعِتْقِ غُلَامٍ بِعَيْنِهِ فَيَسْقُطُ عَنْكَ الْيَمِينُ وَيَكُونُ قَدْ ثَبَتَ لَنَا صِدْقُكَ وَإِنَّمَا فَيْئَتُكَ الَّتِي تَسْأَلُنَا أَنْ نُنْظِرَكَ إلَيْهَا تُوجِبُ عَلَيْكَ عِتْقَ غُلَامِكَ وَلَوْ كَانَتْ يَمِينُكَ بَعْدَ الْعِتْقِ مِمَّا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْنَثَ فِيهِ إلَّا بِالْفِعْلِ، قَبْلَنَا ذَلِكَ مِنْكَ وَجَعَلْنَا فَيْئَتَكَ فِيهِ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ سَبِيلًا إلَى طَرْحِ الْيَمِينِ عَنْكَ فَتَقُولَ: أَنَا أَحْنَثُ أَوْ أَنَا أَفِيءُ وَلَا يُعْتِقُ فَلَيْسَتْ تِلْكَ فَيْئَةً وَهُوَ قَوْلِ مَالِكٍ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ حَلّ أَجَلُ الْإِيلَاءِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَقَفَتْهُ فَلَمْ يَفِئْ فَطُلِّقَ عَلَيْهِ فَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ، أَتَرِثُهُ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى أَنْ تَرِثَهُ، وَأَجْعَلُهُ فَارًّا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ آلَى مِنْهَا وَهُوَ مَرِيضٌ فَحَلَّ أَجَلُ الْإِيلَاءِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَقَفَتْهُ، أَيُطَلِّقُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ أَمْ لَا؟
قَالَ: يُطَلِّقُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَفِئْ، فَإِنْ كَانَ فَاءَ وَكَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ فَإِنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ عُذْرًا، وَمِمَّا يَعْلَمُ بِهِ فَيْئَتَهُ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا: مِثْلُ عِتْقِ رَقَبَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ صَدَقَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ حَلِفٍ بِاَللَّهِ فَإِنَّ فَيْئَتَهُ تُعْرَفُ إذَا سَقَطَتْ عَنْهُ الْيَمِينُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي سِجْنٍ أَوْ فِي سَفَرٍ كَتَبَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ حَتَّى يُوقَفَ عَلَى مِثْلِ هَذَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ يَمِينُهُ الَّتِي حَلَفَ بِهَا أَنْ لَا يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ مِمَّا يُكَفِّرُهَا فَإِنَّ الْفَيْئَةَ بِالْقَوْلِ، فَإِنْ صَحَّ أَوْ خَرَجَ مِنْ السِّجْنِ أَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَوَطِئَ وَإِلَّا طَلُقَتْ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَلَمَّا حَلّ أَجَلُ الْإِيلَاءِ وَقَفْته فَفَاءَ بِلِسَانِهِ وَإِنَّمَا كَانَ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا وَلَمْ يُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ.
قَالَ: ذَلِكَ لَهُ وَيُؤْمَرُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفَيْئَتُهُ تِلْكَ تُجْزِئُهُ حَتَّى يَصِحَّ، فَإِذَا صَحَّ فَإِمَّا وَطِئَ وَإِمَّا طَلُقَتْ عَلَيْهِ.
قَالَ سَحْنُونٌ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَيْهَا أَكْثَرُ الرُّوَاةِ وَهِيَ أَصَحُّ مِنْ كُلِّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الصِّنْفِ عَلَى غَيْرِ هَذَا.
قَالَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ، فَلَمَّا صَحَّ أَبَى أَنْ يُجَامِعَ، أَتَطْلُقُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِأَنَّهُ حِينَ فَاءَ بِلِسَانِهِ وَكَانَ لَهُ عُذْرٌ فَهُوَ فِي سَعَةٍ إلَّا أَنْ يَصِحَّ وَيُكَفِّرَ قَبْلَ ذَلِكَ.
قُلْتُ: أَيَحْنَثُ إذَا فَاءَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَحْنَثُ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا جَامِعَ.
قُلْتُ: هَلْ تُجْزِئُهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْإِيلَاءِ قَبْلَ أَنْ يَحْنَثَ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ بِالْكَفَّارَةِ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَقَدْ جَعَلَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَهُ إذَا كَانَ فِي الْمَرَضِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ صَحِيحًا فَأَحْسَنُ ذَلِكَ أَنْ يَحْنَثَ ثُمَّ يُكَفِّرَ، فَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَ أَنْ يَحْنَثَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَكُفُّ عَنْ امْرَأَتِهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ فَلَا يَطَأُ فَتَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ.
قَالَ: لَا يُتْرَكُ وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ حَتَّى يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ فَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الَّذِي كَتَبَ فِيهِ إلَى رِجَالٍ كَانُوا بِخُرَاسَانَ قَدْ خَلَفُوا أَهْلِيهِمْ فَكَتَبَ إلَى أُمَرَائِهِمْ إمَّا أَنْ حَمَلُوهُنَّ إلَيْهِمْ وَإِمَّا أَنْ قَدِمُوا عَلَيْهِنَّ وَإِمَّا أَنْ فَارَقُوهُنَّ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ رَأْيِي وَأَرَى أَنْ يَقْضِيَ بِهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ وَقَدْ وَطِئَهَا قَبْلَ ذَلِكَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا فَوَطِئَهَا وَطْئَةً ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ اللَّهِ مَا حَبَسَهُ عَنْهَا فَلَمْ يُطِقْ أَنْ يَطَأَهَا وَعَلِمَ أَنَّ الَّذِي تَرَكَ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِمَكَانِ مَا أَصَابَهُ لَيْسَ لِيَمِينٍ عَلَيْهِ وَلَا تَرَكَ ذَلِكَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَبَدًا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ أَيُوقَفُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا وَلَا يُوقَفُ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْجِمَاعَ إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ وَإِنَّمَا الْإِيلَاءُ عَلَى مَنْ يَسْتَطِيعُ الْفَيْئَةَ بِالْوَطْءِ.
قَالَ: وَمَثَلُ ذَلِكَ الْخَصِيُّ الَّذِي لَا يَطَأُ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ، أَيُوقَفُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ الرَّجُلِ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ يُقْطَعُ ذَكَرُهُ فَهَذَا كُلُّهُ وَاحِدٌ وَلَا يَكُونُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَوْقِيفٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، فَوَقَفَتْهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَطَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ فَكَانَتْ فِي عِدَّتِهَا، وَعِدَّتُهَا سَنَةٌ فَارْتَجَعَهَا فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ بَعْدِ مَا رَاجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا أَيُوقَفُ ثَانِيَةً أَمْ لَا؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا يُوقَفُ وَلَكِنْ يَنْتَظِرُ بِهَا مَا دَامَتْ الْمَرْأَةُ فِي عِدَّتِهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَإِلَّا فَلَيْسَتْ بِرَجْعَةٍ.
قُلْتُ: وَلِمَ لَا يُوقِفُهُ لَهَا وَهِيَ إنْ مَاتَتْ تَوَارَثَا؟
قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهَا إنْ لَمْ يَرْتَجِعْهَا فَمَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ غَيْرَ بَائِنٍ أَنَّهُ يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ وَلَا يُوقَفُ لَهَا إنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ بَعْدِ مَا طَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ بَلْ هِيَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا، وَلَا يُوقَفُ الرَّجُلُ فِي الْإِيلَاءِ مَرَّتَيْنِ عِنْدَ مَالِكٍ فِي نِكَاحٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ إذَا وُقِفَ مَرَّةً فَطَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ فَارْتَجَعَ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهُ إنْ وَطِئَ حَنِثَ وَكَفَّرَ وَسَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ وَإِنْ لَمْ يَطَأْ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَلَيْسَتْ رَجَعْتُهُ بِرَجْعَةٍ وَتَصِيرُ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوقَفُ فِي الْإِيلَاءِ عِنْدَ مَالِكٍ مَرَّتَيْنِ وَإِنَّمَا حَبَسَتْهَا الْعِدَّةُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، فَمَضَى أَجَلُ الْإِيلَاءِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، أَيَكُونُ لَهَا أَنْ تُوقِفَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ لَهَا أَنْ تُوقِفَهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ أَجَلِ الْإِيلَاءِ، فَمَضَى أَجَلُ الْإِيلَاءِ وَلَيْسَتْ لَهُ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرَادَتْ أَنْ تُوقِفَهُ؟
قَالَ: يَرْجِعَ الْإِيلَاءُ عَلَيْهِ مُبْتَدَأً مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا التَّزْوِيجَ الثَّانِي، فَإِذَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا التَّزْوِيجَ الثَّانِيَ وَقَفَتْهُ إنْ أَحَبَّتْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ آلَى مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَانْقَضَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ بَعْدَمَا مَضَى ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ آلَى مِنْهَا فَبَانَتْ مِنْهُ ثُمَّ خَطَبَهَا مَكَانَهُ فَتَزَوَّجَهَا، فَلَمَّا مَضَى الشَّهْرُ قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ أَنَا أُوقِفُك فَإِمَّا أَنْ تَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَ؟
قَالَ: لَا يَكُونُ لَهَا أَنْ تُوقِفَهُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ النِّكَاحِ الثَّانِي، لِأَنَّ الْمِلْكَ الْأَوَّلَ قَدْ سَقَطَ، فَقَدْ سَقَطَ الْأَجَلُ الَّذِي مَضَى مِنْ الْإِيلَاءِ الَّذِي كَانَ، وَالْإِيلَاءُ لَازِمٌ لِلزَّوْجِ وَيَبْتَدِئُ فِيهِ الْمَرْأَةَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ نَكَحَهَا النِّكَاحَ الثَّانِيَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ آلَى مِنْهَا فَوَقَفَتْهُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، فَلَمَّا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَقَفَتْهُ أَيْضًا حَتَّى بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ.
قَالَ مَالِكٌ: يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَتُوقِفُهُ امْرَأَتُهُ، فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ لَا يُبْطِلُهُ طَلَاقُ الزَّوْجِ إيَّاهَا ثَلَاثًا طَلَّقَهَا بِتَرْكِ الْفَيْءِ أَوْ بِطَلَاقٍ غَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْإِيلَاءُ وَلَا الظِّهَارُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُجَامِعَ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ، فَكُلُّ جِمَاعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ فَإِنَّ طَلَاقَهُ إيَّاهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزْوِيجَهُ إيَّاهَا بَعْدَ زَوْجٍ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ الْإِيلَاءَ وَلَا الظِّهَارَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُجَامِعَ إلَّا بِكَفَّارَةٍ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ.
قَالَ مَالِكٌ: إذَا آلَى مِنْهَا إلَى أَجَلٍ مِنْ الْآجَالِ فَوَقَفَتْهُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَلَمْ يَفِئْ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا السُّلْطَانُ، ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي آلَى إلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ سَوَاءٌ أَوْ أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
قَالَ مَالِكٌ: فَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي آلَى فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
قُلْتُ: وَإِذَا آلَى ثُمَّ طَلَّقَ فَمَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ مِنْ يَوْمِ آلَى قَبْلَ مُضِيِّ عِدَّتِهَا فَوَقَفَتْهُ فَطَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ، أَتَكُونُ تَطْلِيقَةً أُخْرَى فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَيَكُونُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُرَاجِعَهَا إذَا طَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ حِينَ أَبَى الْفَيْءَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا مَا كَانَتْ فِي عِدَّتِهَا إذَا كَانَ طَلَاقُ السُّلْطَانِ عَلَيْهِ مِنْ نِكَاحٍ قَدْ كَانَ وَطِئَهَا فِيهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا فَلَمْ يَطَأْهَا حَتَّى مَضَتْ الْعِدَّةُ، أَتَكُونُ رَجْعَتُهُ رَجْعَةً أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَكُونُ رَجْعَتُهُ رَجْعَةً إذَا لَمْ يَكُنْ يَطَأَهَا فِي عِدَّتِهَا.
قُلْتُ: وَيَكُونُ الزَّوْجُ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ يُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَا كَانَتْ فِي عِدَّتِهَا إذَا هُوَ ارْتَجَعَهَا قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَإِذَا لَمْ يَطَأْهَا فِي عِدَّتِهَا حَتَّى دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ بَانَتْ مِنْهُ وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ مَكَانَهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَجْنٍ أَوْ سَفَرٍ فَإِنَّ رَجْعَتَهُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهَا.
فَقَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ فَإِذَا صَحَّ أَوْ خَرَجَ مِنْ السِّجْنِ أَوْ قَدِمَ مِنْ السَّفَرِ فَأُمْكِنَ مِنْهَا فَأَبَى أَنْ يَطَأَهَا.
قَالَ: أَرَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ قَدْ انْقَضَتْ.
قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ فَهَلْ عَلَيْهَا الْآنَ عِدَّةٌ؟
قَالَ: لَا، وَعِدَّتُهَا الْأُولَى تَكْفِيهَا.
قَالَ: وَمَحْمَلُ ذَلِكَ عِنْدِي إذَا لَمْ يَخْلُ بِهَا فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ خَلَا بِهَا فِي الْعِدَّةِ وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا فَرَّقْتُ بَيْنَهُمَا وَجَعَلْتُ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ لِلْأَزْوَاجِ مِنْ ذِي قَبْلُ وَلَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ الرَّجْعَةُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الزَّوْجَ إنْ قَالَ قَدْ وَطِئْتهَا وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ يَطَأْنِي؟
قَالَ: فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ وَيُصَدَّقُ وَيُحَلَّفُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَبْنِ بِهَا أَوْ لَمْ يَطَأْهَا ثُمَّ تُوقِفُهُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَيُطَلِّقُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ أَيَكُونُ لَهُ رَجْعَةٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا.
قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ قَدْ وَطِئَهَا ثُمَّ طَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَطَأْهَا فَوَقَفَتْهُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ فَلَمْ يَفِئْ فَطَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا فِي هَذَا الْمِلْكِ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَدَ نِكَاحَهَا الثَّانِيَةَ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مُلْكٍ لَمْ يَطَأْ فِيهِ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حُرًّا تَحْتَهُ مَمْلُوكَةٌ آلَى مِنْهَا، كَمْ أَجَلُ الْإِيلَاءِ مِنْ هَذِهِ الْأَمَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ حُرٍّ آلَى مِنْ أَزْوَاجِهِ، حَرَائِرَ كُنَّ أَوْ إمَاءً، مُسْلِمَاتٍ كُنَّ أَوْ مُشْرِكَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ: حَرَائِرَ فَأَجَلُ إيلَائِهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى النِّسَاءِ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ عَبْدٍ آلَى مِنْ نِسَائِهِ وَتَحْتَهُ حَرَائِرُ وَإِمَاءٌ مُسْلِمَاتٌ أَوْ مُشْرِكَاتٌ، حَرَائِرَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَأَجَلُ إيلَائِهِ شَهْرَانِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِي هَذَا إلَى آجَالِ الرِّجَالِ لَا إلَى آجَالِ النِّسَاءِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى الرِّجَالِ وَالْعِدَّةَ عَلَى النِّسَاءِ فَكَذَلِكَ أَجَلُ الْإِيلَاءِ لِلرِّجَالِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا آلَى مِنْهَا وَهُوَ عَبْدٌ وَهِيَ أَمَةٌ فَوَقَفَتْهُ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ فَلَمْ يَفِئْ فَطَلَّقَهَا عَلَيْهِ السُّلْطَانُ ثُمَّ أُعْتِقَتْ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا، أَيَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقٍ يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ أَوْ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ؟
قَالَ: تَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا عِدَّةِ الْأَمَةِ وَلَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ لَزِمَتْ الْأَمَةَ حِينَ طَلَّقَهَا وَلَا يُلْتَفَتُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعِتْقِ فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ عَبْدًا عَلَى أَمَةٍ أَوْ عَلَى حُرَّةٍ آلَى مِنْهَا فَلَمَّا مَضَى شَهْرٌ أُعْتِقَ الْعَبْدُ فَمَضَى شَهْرٌ آخَرُ فَأَرَادَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ تُوقِفَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرَيْنِ مِنْ يَوْمِ آلَى، فَقَالَ الزَّوْجُ: أَنَا حُرٌّ وَلِي أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فِي عَبْدٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَهِيَ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ ثُمَّ أُعْتِقَ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّهُ إنَّمَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهِ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْإِيلَاءُ لِلرِّجَالِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِلرِّجَالِ، فَأَرَى هَذَا قَدْ لَزِمَهُ إيلَاءٌ وَهُوَ عَبْدٌ فَأُعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى حَالِهِ الَّتِي تَحَوَّلَ إلَيْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، لِأَنَّ الْإِيلَاءَ قَدْ لَزِمَهُ وَهُوَ عَبْدٌ فَأَجَلُهُ فِي الْإِيلَاءِ أَجَلُ عَبْدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ إنَّمَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهِ تَطْلِيقَةٌ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ.
فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَوَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْأَمَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا فَتَعْتَدُّ بَعْضَ عِدَّتِهَا، ثُمَّ تُعْتَقُ: إنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ لَزِمَتْهَا يَوْمَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ إذَا آلَى بِالْعِتْقِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ، أَيَكُونُ مُولِيًا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي عَبْدٍ حَلَفَ بِعِتْقِ جَارِيَةٍ إنْ اشْتَرَاهَا، فَأَتَى مَالِكًا يَسْتَفْتِيهِ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ أَنْ تَشْتَرِيَهَا وَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ أَسَيِّدُهُ أَمَرَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِهَا؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا، مَا قَالَ لِي إنَّ سَيِّدَهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَحْلِفَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَرَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَأَرَاهُ مُولِيًا لِأَنَّهُ لَوْ حَنِثَ ثُمَّ أَعْتَقَ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إيلَاءَ الذِّمِّيِّ إذَا حَلَفَ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ بِاَللَّهِ أَوْ بِصَدَقَةِ مَا يَمْلِكُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَيْمَانِ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ فَأَسْلَمَ، أَيَكُونُ مُولِيًا أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ مُولِيًا، إذَا أَسْلَمَ سَقَطَ هَذَا كُلُّهُ عِنْدِي، أَلَا تَرَى أَنَّ طَلَاقَهُ لَا يَلْزَمُهُ فَكَذَلِكَ إيلَاؤُهُ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَجُرُّ إلَى الطَّلَاقِ: